Issue 1: Inaugural Issue

خلاص

هشام البستاني

۱

"لماذا؟،" سألَ بمرارة.
ولمّا لم يأتِهِ الجواب، كسَرَ المرآةَ بقبضةٍ مضمومة، وسارَ في الطريقِ المليءِ بشظايا الزجاج،
يبحثُ عن أُخرى تحملُ الإجابة.

۲
وجهُهُ المبتسمُ في الصورة، تمامًا في البقعةِ التي انحلَّت عنها طبقةُ الغبارِ السميكة بعدَ أن أزلتُ عنها إصبعًا مبلَّلاً باللُّعاب، مَسَّني بالكهرباء.
صرتُ أرتعدُ وأرتعدُ وتنبثقُ عن جسدي نافورةٌ من الشّرار أضاءَت العِلِّيّة كلّها مرّةً واحدة.
كم هو سميكٌ هذا الغُبار عندما تراهُ بالعينِ لا بالأصابع.
قبلَ استعراض الألعاب الناريّة هذا، كانت رؤيتي تتبعُ دائرة الضوء التي يحدّدها المشعل الكهربائيّ : كانت
عيني في يدي. وقبلَ استعراض الألعابِ الناريّة هذا، لم أكن أعتقد أنّ زوجي الأوّل يختزنُ في حزنهِ وسوداويّتهِ كلّ هذا الانفعال.
حبيبي الأوّل ما يزالُ هناك، مقيّدًا إلى خزانةِ الكُتُب في الزا وية، ورغم الصراصير التي تخرج من ثقبٍ في
الجهة اليُمنى من رأسه، إلّا أنّه رفعه ببطء ولمعت أسنانٌ تحت ابتسامته الباهتة عندما مسّتهُ بعضٌ من شرارتي.ما بين الرعشةِ والرعشةِ فكّرتُ في أن أصرخ. زوجي الثاني ما يزال هناك في الأسفل. هو من أعطاني المشعل الكهربائي، وهو من سألني إن كنتُ بخيرٍ حين تعثّرتُ بألبوم الصور فانفرد الماضي كلّه تحت أقدامي.هل أصرخ؟ أفتحُ فَكَّيَّ المُرتَجّينِ لكنّ الصوت لا يخرجُ من فمي بل من عينيّ: «أُغوز... أنجدني»،فأجاب ثلاثتهم بصوتٍ واحد«ألم أَقُل لكِ بأنّكِ ستُؤذين نفسكِ في العِلِّيّة؟»، وبعدها استراحَ جسدي المتفحّم فوق كفنٍ من الصُّوَر.

۳
التمثالُ ذو العيونِ القارِ كادَ أن يتحَدّث.
وعندما شاهد الوجوهَ الفارغةَ التي تُحدّقُ فِيهِ،
تابعَ صمتهُ الطويل.

٤
لن يفهموك.
ستظلُّ تعجنُ الماءَ حتى تصيرَ ترابًا.
وحينَ تُبعثركَ الريح في أربعِ جهاتها،
تبقى يافطةُ الكولا المعلّقة فوق قبرك تومضُ بلا انقطاع،
يرقصُ على أنغامها رجالٌ ونساءٌ كثرٌ رؤوسُهُم معبَّأَةٌ بالهواء.
وبعد سُكْرٍ طويلٍ طويل،
يعودون للنوم (بلا استيقاظٍ) في قبورهم،
ويغرقون في بحيرةٍ مُتخيَّلةٍ من المياهِ الغازيّة.
وحدها الأشجارُ والصخورُ والوحوشُ تعرفكَ جيّدًا وتناديكَ: صديقي،
ثم تسبحُ في السائلِ الأحمرِ الممتدِّ بين مُخّكَ وجمجمتك.
لهذا يلبَسُكَ صداعٌ من الصباحِ إلى الصباح.
وحين تقرّر أن تُحطّم مملكةَ الحوائط البيضاء التي تستيقظُ فيها كلّ يوم، تكتشفُ أنّ رأسكَ ليس بقوّةِ
الكونكريتِ المسلّحِ بقضبانِ الحديد.
تكتشفُ أنّ هذا الأبيضَ لا ينتهي. لا ينتهي. لا ينتهي. لا ينتهي. لا ينتهي.